واعلم أن "مَنْ" وأخواتها لها لفظٌ ومعنىً، فلفظُها مفردٌ مذكَّرٌ، فإن أريد بها غيرُ ذلك فلك أن تراعيَ لفظها مرةً ومعناها أخرى، فتقول: "جاء مَنْ قام وقعدوا" والآيةُ الكريمة كذلك، روعي اللفظُ أولاً فقيل: "مَنْ يقول"، والمعنى ثانياً في "آمَنَّا"، وقال ابن عطية: "حَسُن ذلك لأنَّ الواحدَ قبلَ الجمعِ في الرتبة، ولا يجوزُ أن يرجِعَ متكلمٌ من لفظِ جَمْعٍ إلى توحيدٍ، لو قلت: ومن الناس مَنْ يقومون ويتكلم لم يَجُز". وفي عبارة القاضي ابن عطية نظرٌ، وذلك لأنه منع مراعاة [اللفظ بعد مراعاة] المعنى، وذلك جائزٌ، إلا أنَّ مراعاةَ اللفظ أولاً أَوْلى، ومِمَّا يَرُدُّ عليه قولُ الشاعر:
١٦٩- لستُ مِمَّنْ يَكُعُّ أو يَسْتَكينو * ن إذا كافَحَتْهُ خيلُ الأعادي
وقال تعالى: ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ﴾ إلى أن قال: "خالدين" فراعى المعنى، ثم قال: ﴿قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً﴾ فراعى اللفظَ بعد مراعاةِ المعنى وكذا راعى المعنى في قوله: "أو يَستكينون" ثم راعى اللفظَ في إذا كافحته". وهذا الحملُ جارٍ فيها في جميع أحوالها، أعني مِنْ كونِها موصولةً وشرطيةً واستفهامية/ امَّا إذا كانَتْ موصوفةً فقال الشيخ: "ليس في مَحْفوظي من كلام العرب مراعاةُ المعنى" يعني تقول: مررت بمَنْ محسنون لك.
و "الآخِر" صفةٌ لليوم، وهو مقابِلُ الأولِ، ومعنى اليومِ الآخر أي عن الأوقات المحدودة.
و ﴿مَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ ما نافية، ويحتمل أن تكونَ هي الحجازيةَ فترفعَ الاسمَ وتنصبَ الخبرَ فيكونُ "هم" اسمَها، وبمؤمنين خبرَها، والباء زائدةٌ تأكيداً وأن تكونَ التميميةَ، فلا تعملَ شيئاً، فيكونُ "هم" مبتدأ و "بمؤمنين" الخبرَ والباءُ زائدةٌ أيضاً، وزعم أبو علي الفارسي وتبعه الزمخشري أن الباءَ لا تُزاد في خبر "ما" إلا إذا كانَتْ عاملةَ، وهذا مردودٌ بقول الفرزدق، وهو تميمي:
(١/٨٤)
---


الصفحة التالية
Icon