١٧٠- لَعَمْرُكَ ما مَعْنٌ بتاركِ حَقِّه * ولا مُنْسِئٌ مَعْنٌ ولا مُتَيَسِّرُ
إلا أنَّ المختارَ في "ما" أن تكونَ حجازِيةً، لأنه لمَّا سقطت الباءُ صَرَّح بالنصب قال الله تعالى: ﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ ﴿مَا هَاذَا بَشَراً﴾ وأكثرُ لغةِ الحجاز زيادةُ الباء في خبرها، حتى زعم بعضُهم أنه لم يَحْفَظِ النصبَ في غير القرآنإلا في قول الشاعر:
١٧١- وأنا النذيرُ بحَرَّةٍ مُسْوَدَّةٍ * تَصِل الجيوشُ إليكمُ أَقْوادَها
أبناؤُها متكنِّفَون أباهُمُ * حَنِقُوا الصدورِ وما هُمُ أولادَها
وأتى بالضمير في قوله: ﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ جمعاً اعتباراً بمعنى "مَنْ" كما تقدم في قوله "آمنَّا" فإنْ قيل: لِمَ أتى بخبر "ما" اسمَ فاعل غيرَ مقيَّدٍ بزمانٍ ولم يُؤْتَ بعدها بجملةٍ فعلية حتى يطابقَ قولَهم "آمنَّا" فيقال: وما آمنوا؟ فالجوابُ: أنه عَدَلَ عن ذلك ليفيدَ أنَّ الإيمانَ منتفٍ عنهم في جميعِ الأوقات فلو أُتِيَ به مطابقاً لقولهم "آمنَّا" فقال: وما آمنوا لكان يكونُ نفياً للإيمان في الزمن الماضي فقط، والمرادُ النفيُ مطلقاً، أي: إنهم ليسوا متلبسيت بشيء من الإيمان في وقتٍ من الأوقات.
* ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾: هذه الجملةُ الفعلية يُحْتمل أن تكونَ مستأنفةً جواباً لسؤال مقدَّر، وهو: ما بالُهم قالوا آمنَّا وما هم بمؤمنين؟ فقيل: يُخادعون اللهَ، ويحتمل أن تكونَ بدلاً من الجملةِ الواقعة صلةً لـ "مَنْ" وهي "يقولُ"، ويكون هذا من بدلِ الاشتمال، لأنَّ قولَهم كذا مشتملٌ على الخِداع فهو نظيرُ قوله:
١٧٢- إنَّ عليَّ اللهَ أن تُبايعا * تُؤْخَذَ كَرْهاً أو تَجِيءَ طائِعا
وقول الآخر:
١٧٣- متى تَأتِنَا تُلْمِمْ بنا في ديارنا * تَجِدْ حَطَباً جَزلاً وناراً تَأجَّجَا
(١/٨٥)
---