والحوض يرده المسلمون قبل دخولهم الجنة قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى : الحوض في العرصات قبل الصراط (١)،

(١) قال السفاريني رحمه الله تعالى :" قال القرطبي : ذهب صاحب القوت إلى أن الحوض بعد الصراط.
قال : والصحيح أنه قبله، وكذا قال الغزالي : ذهب بعض السلف إلى أن الحوض يورد بعد الصراط، وهو غلط من قائله.
قال القرطبي : والمعنى يقتضي تقديم الحوض على الصراط فإن الناس يخرجون من قبورهم عطاشا فناسب تقديمه لحاجة الناس إليه، قال ابن عباس - رضي الله عنهما :« سئل رسول الله - ﷺ - عن الوقوف بين يدي الله تعالى هل فيه ماء ؟ قال : إي والذي نفسي بيده إن فيه لماء، وإن أولياء الله ليردون إلى حياض الأنبياء عليهم السلام » ".( قال جامعه : ذكره ابن كثير في تفسيره ٣/٢٤٣ من رواية ابن مردوية في تفسيره وقال : هذا حديث غريب )
ورجح القاضي عياض أن الحوض بعد الصراط، وأن الشرب منه يقع بعد الحساب، والنجاة من النار.
وقال ابن حمدان في عقيدته : يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة، وبعد جواز الصراط. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر : ظاهر الأحاديث أن الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها، فلو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر فيه، قال : وأما ما أورد عليه من أن جماعة يدفعون عن الحوض بعد أن يروه ويذهب بهم إلى النار فجوابه أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون الجنة فيدفعون في النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط، وقال القرطبي في التذكرة : إن للنبي - ﷺ - حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط، والثاني في الجنة، وكلاهما يسمى كوثرا، والكوثر في كلام العرب الخير الكثير.
قال الجلال السيوطي : وقد ورد التصريح في حديث صحيح عند الحاكم، وغيره بأن الحوض بعد الصراط، فإن قيل : إذا خلصوا من الموقف دخلوا الجنة، فلم يحتاجوا إلى الشرب منه، فالجواب : بل يحتاجون إلى ذلك لأنهم محبوسون هناك لأجل المظالم، فكان الشرب في موقف القصاص، ويحتمل الجمع بأن يقع الشرب من الحوض قبل الصراط لقوم وتأخيره بعده لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب والأوزار حتى يهذبوا منها على الصراط، ولعل هذا أقوى. انتهى قال العلامة الشيخ مرعي في بهجته : وهذا في غاية التحقيق جامع للقولين وهو دقيق "ا. هـ لوامع الأنوار البهية ٢/١٩٥وانظر : التذكرة للقرطبي ١/٢٤٦ النهاية في الفتن والملاحم ١/١٤٠ ولعل الحديث الذي ذكره السيوطي المتضمن أن الحوض بعد الصراط هو ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه و سلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال ( أنا فاعل ) قال قلت يا رسول الله فأين أطلبك ؟ قال ( اطلبني أول ما تطلبني على الصراط ) قال قلت فإن لم ألقك على الصراط ؟ قال ( فاطلبني عند الميزان ) قلت : فإن لم ألقك عند الميزان ؟ قال ( فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن ) رواه أحمد (١٢٨٤٨) والترمذي (٢٤٣٣) والضياء في المختارة (٢٦٩٣) وأبوبكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (٣٠) واللالكائي(١٨٠٣) قال الترمذي : حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذ الوجه. وانظر كلام ابن كثير التالي.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : الحوض المورود قبل الصراط الممدود وما أفهم عكس ذلك ضعيف أو مردود أو مؤول. إن قال قائل: فهل يكون الحوض قبل الجواز على الصراط أو بعده قلت: إن ظاهر ما تقدم من الأحاديث يقتضي كونه قبل الصراط، لأنه يذاد عنه أقوام يقال عنهم إنهم لم يزالوا يرتدون على أعقابهم منذ فارقتهم، فإن كان هؤلاء كفاراً فالكافر لا يجاوز الصراط، بل يكب على وجهه في النار قبل أن يجاوزه، وإن كانوا عصاة فهم من المسلمين فيبعد حجبهم عن الحوض لاسيما وعليهم سيما الوضوء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " أعرفكم غراً محجلين من آثار الوضوء " ( قال جامعه : رواه أحمد(٢١٧٨٥) وصححه الحاكم (٣٧٨٤)من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وهو حديث حسن بالمتابعات وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ).
" ثم من جاوز لا يكون إلا ناجياً مسلماً فمثل هذا لا يحجب عن الحوض فالأشبه والله أعلم أن الحوض قبل الصراط، فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس قال: سألت رسول الله ﷺ أن يشفع لي يوم القيامة قال: " أنا فاعل قال: فأين أطلبك يوم القيامة يا نبي الله قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط قلت: فإن لم ألقك؟ قال: فاطلبني عند المنبر، قال: فإن لم ألقك؟ قال: فأنا عند الحوض لا أخطىء هذه الثلاثة المواطن يوم القيامة " ورواه الترمذي من حديث بدل بن المحبر وابن ماجه في تفسيره من حديث عبد الصمد كلاهما عن حرب بن ميمون بن أبي الخطاب الأنصاري البصري، من رجال مسلم، وقد وثقه علي بن المديني، وعمرو بن علي الغلاس وقوفاً بينه وبين حرب بن ميمون بن أبي عبد الرحمن العبدي البصري أيضاً صاحب الأدعية وضعفا هذا، وأما البخاري فجعلهما واحداً، وحكى عن سليمان بن حرب أنه قال: هذا أكذب الخلق وأنكر الدارقطني على البخاري ومسلم جعلهما هذين حديثاً واحداً وقال: شيخنا المزي جمعهما غير واحد، وفرَّق بينهما غير واحد، وهو الصحيح.
قلت: وقد حررت هذا في التكميل بما فيه كفاية، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والمقصود أن ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الحوض بعد الصراط، وكذلك الميزان أيضاً، وهذا لا أعلم به قائلاً، اللهم إلا أن يكون ذلك حوضاً ثانياً لا يذاد عنه أحد، والله سبحانه وتعالى أعلم. ا. هـ النهاية في الفتن ١/١٣٩
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :"وقوله: "فَتَطلعون على حَوْضِ نَبيِّكُم": ظاهر هذا أنَّ الحوض من وراء الجِسرِ، فكأنهم لا يصلون إليه حتى يقطعوا الجسر، وللسَّلَف فى ذلك قولان حكاهما القرطبى فى "تذكرته"، والغزالى، وغلَّطا مَن قال: إنه بعد الجسر، وقد روى البخارى: عن أبى هريرة، أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بَيْنا أنَا قَائِمٌ على الحَوْضِ إذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إذا عَرَفْتُهُم خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنى وبَيْنهِم، فقال لهم: هَلُمَّ، فقلتُ: إلى أين؟ فقال: إلى النَّارِ واللهِ، قلتُ: ما شأنهم؟ قال: إنَّهُم ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِم، فَلا أرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُم إلا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَم". قال: فهذا الحديث مع صحته أدلُّ دليل على أن الحَوْض يكون فى الموقف قبل الصِّراط، لأن الصِّراط إنما هو جسر ممدود على جهنم، فمن جازه سلم من النار.
قلتُ: وليس بين أحاديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعارض ولا تناقض ولا اختلاف، وحديثُه كُلُّه يُصدِّقُ بعضه بعضاً، وأصحابُ هذا القول إن أرادوا أن الحَوْض لا يُرَى ولا يُوصَل إليه إلا بعد قطع الصِّراط، فحديث أبى هريرة هذا وغيره يردُّ قولَهم، وإن أرادوا أنَّ المؤمنين إذا جازوا الصِّراط وقطعوه بدا لهم الحَوْضُ فشربوا منه، فهذا يدل عليه حديث لقيط هذا، وهو لا يُناقض كونَه قبل الصِّراط، فإن قوله: "طولُه شهر، وعرضُه شهر"، فإذا كان بهذا الطول والسعة، فما الذى يُحيل امتدادَه إلى وراء الجسر، فيرده المؤمنون قبل الصِّراط وبعدَه، فهذا فى حيز الإمكان، ووقوعه موقوفٌ على خبر الصادق والله أعلم. ا. هـ زاد المعاد ٣/٦٨٢
وممن قال الحوض قبل الصراط : شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. المستدرك على مجموع الفتاوى ١/١٠٤ والعلامة ابن باز رحمه الله تعالى معللا ذلك بقوله : إن صحت الأخبار أنهم يردون بعد الصراط فهذا نهر يردونه في الجنة ؛ لأن الصراط ممدود على متن جهنم يصعد الناس عليه إلى الجنة، فمن جاوز الصراط وصل إلى الجنة، والحوض في الأرض فلا يرجعون إلى الأرض مرة ثانية بعد صعودهم إلى الجنة. ا. هـ وللشيخ د. سفر الحوالي حفظه الله وشفاه رأي فقد قال :" الحقيقة أن هذه المسألة ليس فيها نص قاطع، وهي تحتمل هذا وذاك، وهي من أمور الغيب التي لا يجوز الخوض ولا القول فيها بالظن، ولا بمجرد الاستنباط الذي يبدو لصاحبه رجحانه، ولو دقق فيه لتبين خلافه، ولهذا لو قيل في هذه المسألة : إن الأرجح فيها هو التوقف، وأن يُرَّد علم ذلك إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فيُقال في ذلك : الله أعلم، فنسبة العلم إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أسلم، فهذا الذي نميل إليه ونختاره، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم "ا. هـ موقع الشيخ :
http://www.alhawali.com/index.cfm؟method=home.SubContent&contentID=٤٦٢٣


الصفحة التالية
Icon