مكانهم أعظم من نسبته إليهم، وإنما قدم الإخبار بالإسرار مع اقترانه بالإضمار قبل الذكر، لئلا يظن بادىء بدء أنهم سمعوا ما وصفهم به من الشر ﴿والله﴾ أي الذي له الإحاطة الكاملة ﴿أعلم بما تصفون *﴾ منكم، وأنه ليس كما قلتم؛ والوصف: كلمة مشتقة من أصل من الأصول لتجري على مذكور فتفرق بينه وبين غيره بطريق النقيض كالفرق بين العالم والجاهل ونحوهما، فكأنه قيل: إن ذلك القول على فحشه ليس مغنياً عنهم ولا عن أبيهم شيئاً، فهل اقتصروا عليه؟ فقيل: لا، بل ﴿قالوا﴾ التماساً لما يغنيهم: ﴿ياأيها العزيز﴾ فخاطبوه بما يليق بالأكابر ليرق لهم ﴿إن له﴾ أي هذا الذي وجد الصواع في رحله ﴿أباً شيخاً كبيراً﴾ أي في سنه وقدره وهو مغرم به، لا يقدر على فراقه ولا يصبر عنه ﴿فخذ أحدنا مكانه﴾ وأحسن إلى أبيه بإرساله إليه ﴿إنا نراك﴾ أي نعلمك علماً هو كالرؤية أو بحسب ما رأيناه ﴿من المحسنين *﴾ أي العريقين في صفة الإحسان، فأجر في أمرنا على عادة إحسانك، فكأنه قيل: فما أجابهم؟ قيل: ﴿قال معاذ الله﴾ أي نعوذ بالذي لا مثل معاذاً عظيماً ﴿أن نأخذ﴾ أي لأجل هذا الأمر ﴿إلا من﴾ أي الشخص الذي ﴿وجدنا متاعنا عنده﴾ ولم يقل: سرق متاعنا، لأنه - كما أنه لم يفعل في الصواع فعل السارق - لم يقع منه قبل ذلك ما يصحح إطلاق الوصف عليه؛ علل ذلك بقوله: ﴿إنا إذاً﴾ أي إذا أخذنا أحداً مكانه ﴿لظالمون *﴾ أي عريقون في الظلم في دينكم،