وأن ما عداه هلهل النسج رث القوى، مخلخل الأركان، دارس الرسم، منطمس الأعلام، مجهول المسالك، مظلم الأرجاء، جم المهالك، وأما القلب الذي لا يرجع عن غيه لمثل هذا البيان فكأنه غير قابل للذكرى، فاستحق أن يعد عدماً، وأن يخص التذكر بالقلب، ومن المعلوم أنه لا يستوي من له لب ومن لا لب له؛ واللب والقلب: أجل ما في الشيء وأخلصه وأجوده.
ولما منح سبحانه من فيهم أهلية التذكر بالعقول الدالة على توحيده والانقياد لأوامره، كان كأنه عهد في ذلك، فقال يصف المتذكرين بما يدل قطعاً على أنه لا لب لسواهم: ﴿الذين يوفون﴾ أي يوجدون الوفاء لكل شيء ﴿بعهد الله﴾ أي بسبب العقد المؤكد من الملك الأعلى بأوامره ونواهيه، فيفعلون كلاًّ منهما كما رسمه لهم ولا يوقعون شيئاً منهما مكان الآخر؛ والعهد: العقد المتقدم على الأمر بما يفعل أو يجتنب، والإيفاء: جعل الشيء على مقدار غيره من غير زيادة ولا نقصان.


الصفحة التالية
Icon