فلما تقرر - بما مضى من قدرته تعالى على الثواب والعقاب وخفضه الأرضين ورفعه السماوات ونصبه الدلالات بباهر الآيات البينات - أن ليس لأحد غيره أمر ما، وتحرر أن كل أحد في قبضته، تسبب عن ذلك أن يقال: ﴿أفمن هو قائم﴾ ولما كان القيام دالاً على الاستعلاء أوضحه بقوله: ﴿على كل نفس﴾ أي صالحة وغيرها ﴿بما كسبت﴾ - يفعل بها ما يشاء من الإملاء والأخذ وغيرهما - كمن ليس كذلك، مثل شركائهم التي ليس لها قيام على شيء أصلاً.
ولما كان الجواب قطعاً: ليس كمثله شيء، كان كأنه قيل استعظاماً لهذا السؤال: من الذي توهم أن له مثلاً؟ فقيل: الذين كفروا به ﴿وجعلوا لله﴾ أي الملك الأعظم ﴿شركاء﴾ ويجوز أن يقدر ل «من» خبر معناه: لم يوحدوه، ويعطف عليه ﴿وجعلوا﴾، فكأنه قيل: فماذا يفعل بهم؟ فقيل: ﴿قل سموهم﴾ بأسمائهم الحقيقية، فإنهم إذا سموهم وعرفت حقائقهم أنها حجارة أو غير ذلك مما هو مركز العجز ومحل الفقر، عرف ما هم عليه من سخافة العقول وركاكة الآراء، ثم قل لهم: أرجعتم عن ذلك إلى الإقرار بأنهم من جملة عبيده ﴿أم تنبئونه﴾ أي تخبرونه إخباراً عظيماً ﴿بما لا يعلم﴾ وعلمه محيط بكل شيء ﴿في الأرض﴾ من كونها آلهة ببرهان قاطع.