فقال الزجاج: الخبر جنة مخبر عنها بما ذكر ليكون تمثيلاً لما غاب عنا بما نشاهد ﴿تجري﴾. ولما كانت - لو عمها الماء الجاري - بحراً لا بساتين، أدخل الجار للدلالة على أنه خاص ببعض أرضيها فقال: ﴿من تحتها﴾ أي قصورها وأشجارها ﴿الأنهار﴾ وقيل: هذا المذكور هو الخبر كما تقول: صفة زيد أسمر.
ولما كان هذا ريّاً حقيقياً في أرض هي في غاية الخلوص والطيب، كان سبباً لدوام ثمرها واستمساك ورقها، فلذلك أتبعه قوله: ﴿أكلها﴾ أي ثمرها الذي يؤكل ﴿دائم﴾ لا ينقطع أبداً ﴿وظلها﴾ ليس كما في الدنيا، لا ينسخ بشمس ولا غيرها، قال أبو حيان: تقول: مثلت الشيء - إذا وصفته وقربته للفهم، وليس هذا ضرب مثل، فهو كقوله ﴿ولله المثل الأعلى﴾ [النحل: ٦٠]، أي الصفة العليا - كذا قال، ويمكن أن يكون ذلك حقيقة، ويكون هناك محذوف، وهو جنة من جنان الدنيا تجري من تحتها الأنهار - إلى آخره، وهو من قول الزجاج.
ثم ابتدأ إخباراً آخر تعظيماً لشأنها وتفخيماً لأمرها في قوله تعالى:


الصفحة التالية
Icon