وعبر عن غفلته عنه بقوله: ﴿من ورائه جهنم﴾ أي لا بد أنه يتبوأها.
ولما كان المرجع وجود السقي للصديد مطلقاً، بني للمفعول قوله: ﴿ويسقى﴾ أي فيها ﴿من ماء صديد﴾ وهو غسالة أهل النار كقيحهم ودمائهم ﴿يتجرعه﴾ أي يتكلف بلعه شيئاً فشيئاً لمرارته وحرارته، فيغص به ويلقى منه من الشدة ما لا يعلم قدره إلا الله ﴿ولا يكاد يسيغه﴾ ولا يقرب من إساغته، فإن الإساغة جر الشيء في الحلق على تقبل النفس ﴿ويأتيه الموت﴾ أي أسبابه التي لو جاءه سبب منها في الدنيا لمات ﴿من كل مكان﴾ والمكان: جوهر مهيأ للاستقرار، فهو كناية عن أنه يحصل له من الشدائد ما يميت من قضى بموته ﴿وما هو بميت﴾ أي بثابت له الموت أصلاً.
لأنا قضينا بدوام حياته زيادة في عذابه، والموت: عرض يضاد الإدراك في البنية الحيوانية ﴿ومن ورائه﴾ أي هذا الشخص، بعد ذلك في يوم الجزاء الذي لا بد منه، وما خلقنا السماوات والأرض إلا من أجله ﴿عذاب غليظ *﴾ يأخذه في ذلك اليوم - مع ما قدمته له في الدنيا - وهو غافل عنه


الصفحة التالية
Icon