ولما كانت العادة جارية بأن القن يمتهن، أخبر تعالى أنه أكرمه عن هذه العادة فقال منبهاً على أن شراءه كان بمصر: ﴿وقال الذي اشتراه﴾ أي أخذه برغبة عظيمة، ولو توقفوا عليه غالى في ثمنه ﴿من مصر﴾ أي البلدة المعروفة، والتعبير بهذا دون ما هو أخصر منه للتنبيه على أن بيعه ظلم، وأنه لم يدخل في ملك أحد أصلاً ﴿لامرأته﴾ آمراً لها بإكرامه على أبلغ وجه ﴿أكرمي مثواه﴾ أي موضع مقامه، وذلك أعظم من الأمر بإكرامه نفسه، فالمعنى: أكرميه إكراماً عظيماً بحيث يكون ممن يكرم كل ما لابسه لأجله، ليرغب في المقام عندنا. ولما كانت كأنها قالت: ما سبب إيصائك لي بهذا دون غيره؟ استأنف قوله: ﴿عسى أن﴾ أي إن حاله خليق وجدير بأن ﴿ينفعنا﴾ أي وهو على اسم المشتري ﴿أو نتخذه﴾ أي برغبة عظيمة إن رأيناه أهلاً ﴿ولداً﴾ فأنا طامع في ذلك.
ولما أخبر تعالى بمبدأ أمره، وكان من المعلوم أن هذا إنما هو لما مكن له في القلوب مما أوجب توقيره وإجلاله وتعظيمه، أخبر تعالى بمنتهى أمره، مشبهاً له بهذا المضمون المعلم به فقال: ﴿وكذلك﴾ أي مثل ما مكنا ليوسف بتزهيد السيارة: أهل البدو تارة، وإكرام مشتريه ومنافسته فيه أخرى ﴿مكنا ليوسف في الأرض﴾