أنه حكم به، فقال: ﴿أمر ألا تعبدوا﴾ أي أيها الخلق في وقت من الأوقات على حال من الأحوال ﴿إلا إياه﴾ أي وهو النافذ الأمر المطاع الحكم.
ولما قام هذا الدليل على هذا الوجه البين، كان جديراً بالإشارة إلى فضله، فأشار إليه بأداة البعد، تنبيهاً على علو مقامه وعظيم شأنه فقال: ﴿ذلك﴾ أي الشأن الأعظم، وهو توحيده وإفراده عن خلقه ﴿الدين القيم﴾ أي الذي لا عوج فيه فيأتيه الخلل من جهة عوجه، الظاهر أمره لمن كان له قلب ﴿ولكن أكثر الناس﴾ أي لما لهم الاضطراب مع الحظوظ ﴿لا يعلمون *﴾ أي ليس لهم علم، لأنهم لا ينتفعون بعقولهم، فكأنهم في عداد البهائم العجم، فلأجل ذلك هم لا يفردون الله بالعبادة.
ولما تم نصحه وعلا قدحه بإلقائه إليهما ما كان أهمّ لهما لو علما لمآله إلى الحياة الأبدية والرفعة السرمدية. أقبل على حاجتهما تمكيناً لما ذكره وتأكيداً للذي قرره، فناداهما بالأداة الدالة على أن ما بعدها كلام له موقع عظيم لتجتمع أنفسهما لسماع ما يلقى إليهما من التعبير، فقال: ﴿ياصاحبي السجن﴾ أي الذي تزول فيه الحظوظ ويحصل الانكسار للنفس والرقة في القلب فتتخلص فيه المودة.


الصفحة التالية
Icon