طلباً عظيماً بركوبه ﴿من فضله﴾ أي الله بالتوصل بها إلى البلدان الشاسعة للمتاجر وغيرها ﴿ولعلكم تشكرون *﴾ هذه النعم التي أنتم عاجزون عنها لولا تسخيره؛ والمخر: شق الماء عن يمين وشمال، وهو أيضاً صوت هبوب الريح إذا اشتد هبوبها، وقد ابتدىء فيه بما يغوص تارة ويطف أخرى بالاختيار، وثنى بما طبعه الرسوب، وثلث بما من طبعه الطفوف.
ولما ذكر الأغوار، الهابطة الضابطة للبحار، أتبعها الأنجاد الشداد، التي هي كالأوتاد، تذكيراً بما فيها من النعم فقال: ﴿وألقى في الأرض﴾ أي وضع فيها وضعاً، كأنه قذفه فيها قذفاً، جبالاً ﴿رواسي﴾ مماسة لها ومزينة لنواحيها، كراهة ﴿أن تميد﴾ أي تميل مضطربة يميناً وشمالاً، أي فيحصل لكم الميد، وهو دوار يعتري راكب البحر ﴿بكم﴾ فهي ثابتة لأجل ذلك الإلقاء، ثابتة مع اقتضائها بالكرية التحرك.
ولما ذكر الأوهاد، وأتبعها الأوتاد، تلاها بما تفجره غالباً منها، عاطفاً على ﴿رواسي﴾ لما تضمنه العامل من معنى «جعل» فقال: ﴿وأنهاراً﴾ وأدل دليل على ثبات الأرض ما سبقها من ذكر البحار، ولحقها من الحديث عن الأنهار، فإنها لو تحركت ولو بمقدار شعرة في كل يوم لأغرقت البحارُ من إلى جانب الانخفاض، وتعاكست مجاري الأنهار،