فهم عما نهوا عنه ينتهون ﴿ويفعلون﴾ أي بداعية عظيمة علماً منهم بما عليهم لربهم من الحق مع عدم منازع من حظ أو شهوة أو غير ذلك، ودل على أنهم مكلفون بقوله تعالى: ﴿ما يؤمرون *﴾ فهم لرحمته لهم يرجون؛ فالآية من الاحتباك: ذكر الخوف أولاً دال على الرجاء ثانياً، وذكر الفعل ثانياً دال على الانتهاء أولاً.
ولما كان التوحيد أعظم المأمورات، وكان العصيان فيه أعظم العصيان، وكان سبحانه قد أكثر التخويف من عصيانه، أبلغ الأمر إلى نهايته بالإخبار بأن الملائكة تخافه، وكان الملائكة من أعظم الموحدين، كما كانوا من أعظم الساجدين، من أهل السماوات والأرضين، وكانت هذه الآيات من أعظم أدلة التوحيد، أتبعها - عطفاً على ﴿وأنزل إليك الذكر﴾ ليتظافر على ذلك أدلة العقل والنقل وتسليكاً بأحوال الملائكة - قوله تعالى: ﴿وقال الله﴾ فعبر لأجل تعظيم المقام بالاسم الأعظم الخاص الذي بنيت عليه السورة: ﴿لا تتخذوا﴾ أي لا تكلفوا فطركم الأولى السليمة المجبولة على معرفة أن الإله واحد إلى أن تأخذ في اعتقادها ﴿إلهين﴾ ويجوز أن يكون معطوفاً على ما علم من المقدمات المذكورة أول السورة إلى قوله: ﴿وما يشعرون أيان يبعثون﴾ من النتيجة وهي ﴿إلهكم إله واحد﴾ لاحتمال أن يقول متعنت: إنه لم يأمرنا