ولما كان الغالب في هذه السورة القطع الذي هو من لوازم الكتاب قدمه، وذلك أنه قطع بأمر الأجل والملائكة، وحفظ الكتاب والرمي بالشهب، وكفاية المستهزئين، فكان كما قال سبحانه ﴿و﴾ آيات ﴿قرآن﴾ أي قرآن جامع ناشر مفصل واصل، إذ التنوين للتعظيم ﴿مبين *﴾ لجميع ما يجمع الهمم على الله فيوصل إلى السعادة، وهذه الإبانة - التي لم تدع لبساً - هو متصف بها، مع كونه جامعاً للأصول ناشراً للفروع لا خلل فيه يدخل منه عليه، ولا فصم يؤتى منه إليه، فأعجب لأمر حاوٍ لجميع وفرق وفصل ووصل: والإبانة: إظهار المعنى للنفس بما يميزه عن غيره، لأن أصل الإبانة الفصل: فهذا شرح كونه بلاغاً، فمقصود هذه السورة اعتقاد كون القرآن بلاغاً جامعاً للأمور الموصلة إلى الله، مغنياً عن جميع الأسباب، فلا ينبغي الالتفات إلى شيء سواه ﴿ذرهم يأكلوا﴾، ﴿لا تمدن عينيك﴾ ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾ وكان الجمع بين الوصفين الدال كل منهما على الجمع إشارة إلى الرد عليهم في جعلهم القرآن عضين، وأن قولهم شديد المباعدة لمعناه. مع أن المفهومين - مع تصادقهما على شيء واحد - متغايران، فالكتاب: ما يدون في الطروس، والقرآن:


الصفحة التالية
Icon