في مثل، أو إحكام الأمر في عمل، وهذا بعد أن نهاهم الله بقوله تعالى ﴿فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ [النحل: ٧٤] فكأن هذا أول دليل على ما وصفناهم به من عدم الفهم والسمع فضلاً عن أن يكون لهم إلى مقاومة هذا القرآن - الذي يدعون أنه قول البشر - سبيل أو يغبروا في وجهه بشبهة فضلاً عن دليل.
ولما جرت عادة القرآن بإثبات التوحيد والنبوة والمعاد، وقدم الدلالة على الأولين، وختم بإثبات جهلهم في النبوة مع ظهورها، أتبع ذلك أمراً جلياً في ضلالهم عن السبيل في أمر المعاد وقرره غاية التقرير، وحرره أتم تحرير، فقال تعالى معجباً منهم: ﴿وقالوا﴾ أي المشركون المنكرون للتوحيد والنبوة والبعث مع اعترافهم بأنا ابتدأنا خلقهم ومشاهدتهم في كل وقت أنا نحيي الأرض بعد موتها: ﴿أإذا﴾ استفهاماً إنكارياً كأنهم على ثقة من عدم ما ينكرونه، والعامل في ﴿إذا﴾ فعل من لفظ ﴿مبعوثون﴾ لا هو. فإن ما بعد ﴿إن﴾ لا يعمل فيما قبلها. فالمعنى: أنبعث إذا ﴿كنا﴾ أي بجملة أجسامنا كوناً لازماً ﴿عظاماً ورفاتاً﴾ أي حطاماً مكسراً مفتتاً وغباراً ﴿إنا لمبعوثون﴾ حال كوننا مخلوقين ﴿خلقاً جديداً *﴾ فكأنه قيل: فماذا يقال لهم في الجواب؟ فقيل: ﴿قل﴾ لهم: لا تكونوا رفاتاً، بل ﴿كونوا﴾


الصفحة التالية
Icon