أحدكم إذا ظفر بمن كفر إحسانه ﴿ثم لا تجدوا لكم﴾ وإن أمعنتم في الطلب، وطالت أزمانكم في إتقان السبب. ولما كان إطلاق النفي في ختام الآية الماضية - وإن كان لإرادة التعميم - يحتمل أن يدعي تقييده بما يخالف المراد، وكان المقصود هنا التخويف بسطوته سبحانه تارة بالخسف وتارة بغيره، قيد بما عين المراد، وقدم قوله تعالى: ﴿علينا﴾ دلالة على باهر العظمة ﴿به﴾ أي بما فعلنا بكم ﴿تبيعاً *﴾ أي مطالباً يطالبنا به.
ولما قرر سبحانه بهذه الجمل ما يسر لهم من البر، وسهل من شدائد البحر في معرض التهديد، أتبعه أنه فعل ذلك تكريماً لهم على سائر مخلوقاته، كما هو شأنه في القدرة على ما يريد في المفاوتة بين الأمور التي كانت متساوية عند أول خلقه لها، ليستدلوا بذلك على سهولة الإعادة، مشيراً إلى أنه ركب جوهر الإنسان من نفس هي أشرف النفوس بما فضلها على قوى النفس النباتية من الاغتذاء والنمو والتوليد بالحس ظاهراً وباطناً وبالحركة بالاختيار، وخصه على سائر الحيوان بالقوة العاقلة المدركة لحقائق الأشياء كما هي، ويتجلى بها نور معرفة الله، ويشرق فيها ضوء كبريائه وتطلع على عالمي الخلق والأمر، وتحيط بأقسام المخلوقات من الأرواح