وأعقب ذلك بقوله تعالى ﴿أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم﴾ [مريم: ٥٨] وكان ظاهر الكلام تخصيص هؤلاء بهذه المناصب العلية، والدرجات المنفية الجليلة لا سيما وقد اتبع ذلك بقوله ﴿فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً﴾ [مريم: ٥٩] كان هذا مظنة إشفاق وخوف فاتبعه تعالى بملاطفة نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ملاطفة المحبوب المقرب المجتبى فقال ﴿ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ وأيضاً فقد ختمت سورة مريم يقوله ﴿وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً﴾ بعد قوله ﴿وتنذر به قوماً لداً﴾ وقد رأى عليه الصلاة والسلام من تأخر قريش عن الإسلام ولددها ما أوجب إشفاقه وخوفه عليهم. ولا شك أنه عليه الصلاة والسلام يحزنه تأخير إيمانهم، ولذلك قيل له ﴿فلا تحزن عليهم﴾ فكأنه عليه الصلاة والسلام ظن أنه يستصعب المقصود من استجابتهم، أو ينقطع الرجاء من إنابتهم فيطول العناء والمشقة، فبشره سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ فلا عليك من لدد هؤلاء وتوقفهم، فيستجيب من انطوى على الخشية إذا ذكر وحرك إلى النظر في آيات الله كما قيل له في موضع آخر ﴿فلا يحزنك قولهم﴾ [يونس: ٦٥] ثم تبع ذلك سبحانه تعريفاً وتأنيساً بقوله ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ إلى أول قصص موسى عليه السلام، فأعلم سبحانه أن الكل خلقه ملكه، وتحت قهره وقبضته لا يشذ شيء عن ملكه.