فإنه لو عمل شيئاً واجتهد كل الاجتهاد في تكميله فلا بد أن يظهر له فيه نقص ويصير يسعى في إزالته وقتاً بعد وقت.
ولما كمل هذا البرهان القويم، دالاً على العليم الحكيم، قال منبهاً على انتشار أنواره، وجلالة مقداره، مؤكداً لأجل إنكار المنكرين: ﴿إن في ذلك﴾ أي الإنشاء هذه الوجوه المختلفة ﴿لآيات﴾ على منشئه ﴿لأولي النهى *﴾ العقول التي من شأنها أن تنهى صاحبها عن الغيّ، ومن عمي عن ذلك فلا عقل له أصلاً لأن عقله لم ينفعه، وما لا ينفع في حكم العدم، وذكر ابن كثير هنا ما عزاه ابن إسحاق في السيرة لزيد بن عمرو بن نفيل، وابن هشام لأمية بن أبي الصلت:
وأنت الذي من فضل منّ ورحمة | بعثت إلى موسى رسولاً منادياً |
فقلت ألا يا اذهب وهارون فادعوا | إلى الله فرعون الذي كان باغيا |
فقولا له آأنت سويت هذه | بلا وتد حتى استقلت كما هيا |
وقولا له آأنت رفعت هذه | بلا عمد أرفق إذن بك بانيا |
وقولا له آأنت سويت وسطها | منيراً إذا ما جنه الليل هاديا |
وقولا له من يخرج الشمس بكرة | فيصبح ما مست من الزرع ضاحيا |
وقولا له من ينبت الحب في الثرى | فيخرج منه البقل يهتز رابيا |
ويخرج منه حبه في رؤوسه | وفي ذاك آيات لمن كان واعيا |