السجع يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع. وليس كذلك ما اتفق مما هو في تقدير السجع من القرآن، لأن اللفظ يقع فيه تابعاً للمعنى، وفصل بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود فيه وبين أن يكون المعنى منتظماً دون اللفظ. ومتى ارتبط المعنى بالسجع كان إفادة السجع كإفادة غيره. ومتى انتظم المعنى بنفسه دون السجع كان مستجلباً لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى، ثم استدل على ذلك بأشياء نفيسة أطال فيها وأجاد - رحمه الله، وقد تقدم في آخر سورة التوبة ما ينفع جداً في هذا المرام.
ولما كان موسى عليه السلام هو المقصود بالإرسال إلى فرعون، استأنف تعالى الإخبار عن فرعون عندما فجئه ذلك فقال: ﴿قال﴾ أي فرعون للسحرة منكراً عليهم، وأضمر اسمه هنا ولم يظهره كما في الأعراف لأن مقصود السورة الرفق بالمدعوين والحلم عنهم، وهو غير متأهل لذكر اسمه في هذا المقام: ﴿آمنتم﴾ أي بالله ﴿له﴾ أي مصدقين أو متبعين لموسى ﴿قبل أن ءاذن لكم﴾ في ذلك، إبهاماً بأنه سيأذن فيه ليقف الناس عن المبادرة إلى الاتباع بين خوف العقوبة ورجاء الإذن؛ ثم استأنف قوله معللاً مخيلاً لأتباعه صداً لهم عن الاقتداء بهم: ﴿إنه لكبيركم﴾ أي في العلم ﴿الذي علمكم السحر﴾ فلم تتبعوه لظهور الحق، بل لإرادتكم شيئاً من المكر وافقتموه عليه قبل حضوركم


الصفحة التالية
Icon