من قالها على قلة عقله وعدم حيائه أن لا ينتقل إلى قول منها إلا بعد الإعراض عن الذي قبله، وأنه مما يضرب عنه لكونه غلطاً، ما قيل إلا عن سبق لسان وعدم تأمل، ستراً لعناده وتدليساً لفجوره، ولو فعل ذلك لكانت جديرة بانكشاف بطلانها بمجرد الانتقال فكيف عند اجتماعها. ولما كانت نسبته إلى الشعر أضعفها شأناً، وأوضحها بطلاناً، لم يحتج إلى إضراب عنه، وعبروا في الأضغاث بوصف القرآن تأكيداً لعيبه، وفي الافتراء والشعر بوصفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك.
ولما أنتج لهم ذلك على زعمهم القدح في أعظم المعجزات، سببوا عن هذا القدح طلب آية فقالوا: ﴿فليأتنا﴾ أي دليلاً على رسالته ﴿بآية﴾ أي لأنا قد بينا بطعننا أن القرآن ليس بآية؛ ثم خيلوا النصفة بقولهم: ﴿كما﴾ أي مثل ما، وبنوا الفعل للمفعول إشارة إلى أنه متى صحت الرسالة كان ذلك بزعمهم من غير تخلف لشيء أصلاً فقالوا: ﴿أرسل الأولون*﴾ أي بالآيات مثل تسبيح الجبال، وتسخير الريح، وتفجير الماء، وإحياء الموتى، وهذا تناقض آخر في اعترافهم برسالة الأولين مع معرفتهم أنهم بشر، وإنكارهم رسالته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكونه بشراً، ولم يستحيوا بعد التناقض من المكابرة فيما أتاهم به من