آخر هذه الآية الفعل عن العباد وأثبته لهم أولها، وقلما نجد في القرآن آية تسند الفعل إليهم إلا قارنتها أخرى تثبته لله وتنفيه عنهم، ابتلاء من الله لعباده ليتميز الراسخ - الذي ينسب للمكلفين الكسب المفيد لأثر التكليف، ولله الخلق المفيد لأنه سبحانه لا شريك له في خلق ولا غيره - من الطائش الذي يقول بالجبر أو التفويض.
ولما كان هذا مقتضياً لأخذهم، عطف على ما اقتضاه السياق مما ذكرته من العلة قولَه تعالى: ﴿وربك﴾ مشيراً بهذا الاسم إلى ما اقتضاه الوصف من الإحسان بأخذ من يأخذ منهم وإمهال غيره لحكم دبرها؛ ثم أخبر عنه بما ناسب ذلك من أوصافه فقال: ﴿الغفور﴾ أي هو وحده الذي يستر الذنوب إما بمحوها وإما بالحلم عنها إلى وقت ﴿ذو الرحمة﴾ أي الذي يعامل - وهو قادر - مع موجبات الغضب معاملة الراحم بالإكرام؛ ثم استشهد على ذلك بقوله تعالى: ﴿لو يؤاخذهم﴾ أي هؤلاء الذين عادوك وآذوك، وهو عالم بأنهم لا يؤمنون لو يعاملهم معاملة المؤاخذ ﴿بما كسبوا﴾ حين كسبهم ﴿لعجل لهم العذاب﴾ واحداً بعد واحد، ولكنه لا يعجل لهم ذلك ﴿بل لهم موعد﴾ يحله بهم فيه، ودل على أن موعده ليس كموعد غيره