ولما كان إهمال الشيء بعد إيجاده غفلة عنه، وكان البعث إحداث تدبير لم يكن كما أن الموت كذلك، بين أن مثل تلك الأفعال الشريفة عادته سبحانه إظهاراً للقدرة وتنزهاً عن العجز والغفلة فقال: ﴿وما كنا﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿عن الخلق﴾ أي الذي خلقناه وفرغنا من إيجاده وعن إحداث ما لم يكن، بقدرتنا التامة وعلمنا الشامل ﴿غافلين*﴾ بل دبرناه تدبيراً محكماً ربطناه بأسباب تنشأ عنها مسببات يكون بها صلاحه، وجعلنا في كل سماء ما ينبغي أن يكون فيها من المنافع، وفي كل أرض كذلك، وحفظناه من الفساد إلى الوقت الذي نريد فيه طيّ هذا العالم وإبراز غيره، ونحن مع ذلك كل يوم في شأن، وإظهار برهان، نعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، إذا شئنا أنفذنا السبب فنشأ عنه المسبب، وإذا شئنا منعناه مما هيىء له، فلا يكون شيء من ذلك إلا بخلق جديد، فكيف يظن بنا أنا نترك الخلق بعد موتهم سدى، مع أن فيهم المطيع الذي لم نوفه ثوابه، والعاصي الذي لم ننزل به عقابه، أم كيف لا نقدر على إعادتهم إلى ما كانوا عليه بعد ما قدرنا على إبداعهم ولم يكونوا شيئاً.
ولما ساق سبحانه هذين الدليلين على القدرة على البعث، أتبعهما بما هو من جنسهما ومشاكل للأول منهما، وهو مع ذلك دليل على ختام الثاني من أنه من أجلّ النعم التي يجب شكرها، فقال: ﴿وأنزلنا﴾