لأن قصته أشهر القصص، ولأن قومه كانوا ملء الأرض، ولم تغن عنهم كثرتهم ولا نفعتهم قوتهم، ولأنه الأب الثاني بعد الأب الأول المشار إليه بالطين، ولأن نجاته ونجاة المؤمنين معه كانت بالفلك المختوم به الآية قبله، فقال: ﴿ولقد أرسلنا﴾ إشارة بصيغة العظمة إلى زيادة التسلية بأنه «آتاه من الآيات ما مثله آمن عليه البشر» وقام هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك حق القيام ﴿نوحاً﴾ أي وهو الأب الثاني بعد آدم عليهما السلام ﴿إلى قومه﴾ وهم جميع أهل الأرض لتواصل ما بينهم لكونهم على لغة واحدة ﴿فقال﴾ أي فتسبب عن ذلك أن قال: ﴿يا قوم﴾ ترفقاً بهم ﴿اعبدوا الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له، وحده، لأنه إلهكم وحده لاستحقاقه لجميع خلال الكمال؛ واستأنف على سبيل التعليل قوله: ﴿ما لكم﴾ وأغْرق في النفي بما هو حق العبادة فقال: ﴿من إله﴾ أي معبود بحق ﴿غيره﴾ فلا تعبدوا سواه.
ولما كانت أدلة الوحدانية والعظمة بإعطاء الثواب وإحلال العقاب في غاية الظهور لا تحتاج إلى كبير تأمل، تسبب عن ذلك إنكاره لأمنهم من مكره، والخوف من ضره، فقال: ﴿أفلا تتقون*﴾ أي تخافون ما ينبغي الخوف منه فتجعلوا لكم وقاية من عذابه فتعملوا