ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون} [القصص: ٤٣] وقد ختم الهلاك العام بالإغراق كما فتح به، والنبيان اللذان وقع ذلك لهما دعا كل منهما على من عصاه، وكلاهما مثله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة بدر في الشدة على العصاة بعمر رضي الله عنه الذي أطاعه النيل وأطاع جيشه الدجلة.
ولما كان من ذكر كلهم قد ردوا من جاءهم لإشعارهم استبعادهم لأن يكون الرسل بشراً، وكان بنو إسرائيل الذين أعزهم الله ونصرهم على عدوهم وأوضح لهم الطريق بالكتاب قد اتخذوا عيسى - مع كونه بشراً - إلهاً، اتبع ذلك ذكره تعجيباً من حال المكذبين في هذا الصعود بعد ذلك نزول في أمر من أرسلوا إليهم، وجرت على أيديهم الآيات لهدايتهم، فقال: ﴿وجعلنا﴾ أي بعظمتنا ﴿ابن مريم﴾ نسبه إليها تحقيقاً لكونه لا أب له، وكونه بشراً محمولاً في البطن مولوداً لا يصلح لرتبة الإلهية؛ وزاد في حقيق ذلك بقوله: ﴿وأمه﴾ وقال: ﴿آية﴾ إشارة إلى ظهور الخوارق على أيديهما حتى كأنهما نفس الآية، فلا يرى منها شيء إلا وهو آية، ولو قال: آيتين، لكان ربما ظن أنه يراد حقيقة هذا العدد، ولعل في ذلك إشارة إلى أنه تكملت به آية القدرة على إيجاد الإنسان بكل اعتبار من غير ذكر ولا أنثى


الصفحة التالية
Icon