لأن من شأن كل من يجوز على نفسه الوقوع في مثل ذلك أن يرحمهما فقال: ﴿ولا تأخذكم﴾ أي على حال من الأحوال ﴿بهما رأفة﴾ أي لين، ولعله عبر بها إعلاماً بأنه لم ينه عن مطلق الرحمة، لأن الرأفة أشد الرحمة أو أرقها وتكون عن أسباب من المرؤوف به، وكذا قوله: ﴿في دين الله﴾ أي الذي شرعه لكم الملك المحيط بصفات الكمال - إشارة إلى أن الممنوع منه رحمة تؤدي إلى ترك الحد أو شيء منه أو التهاون به أو الرضى عن منتهكه لا رقة القلب المطبوع عليها البشر كما يحكى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه بكى يوم فتحت قبرص وضربت رقاب ناس من أسراها فقيل له: هذا يوم سرور، فقال: هو كذلك، ولكني أبكي رحمة لهؤلاء العباد الذين عصوا الله فخذلهم وأمكن منهم.
ولما علم سبحانه ما طبع عليه عباده من رحمة بعضهم لبعض فحث على هذا الحكم بالأمر والنهي، زاد في التهييج إليه والحض عليه بقوله: ﴿إن كنتم﴾ أي بما هو كالجبلة التي لا تنفك ﴿تؤمنون بالله﴾ أي الملك الأعظم الذي هو أرحم الراحمين، فما شرع ذلك إلا رحمة للناس عموماً وللزانيين خصوصاً، فمن نقص سوطاً فقد ادعى أنه أرحم منه، ومن زاد سوطاً فقد ظن أنه أحكم وأعظم منه.


الصفحة التالية
Icon