مغلوب العقل مختلط المزاج تأتي بما لا يرضى به عاقل، وتارة ساحراً تأتي بما يعجز عنه قواهم، وتحير فيه أفكارهم ﴿فضلوا﴾ أي عن جميع طرق العدل، وسائر أنحاء البيان بسبب ذلك فلم يجدوا قولاً يستقرون عليه وأبعدوا جداً ﴿فلا يستطيعون﴾ في الحال ولا في المآل، بسبب هذا الضلال ﴿سبيلاً*﴾ أي سلوك سبيل من السبل الموصلة غلى ما يستحق أن يقصد، بل هم في مجاهل موحشة، وفيافي مهلكة.
ولما ثبت أنه لا وجود لهم لأنهم لا علم لهم ولا قدرة، وأنهم لا يمن لهم ولا بركة، لا على أنفسهم ولا غيرهم، أثيت لنفسه سبحانه ما يستحق من الكمال الذي يفيض به على من يشاء من عباده ما يشاء فقال: ﴿تبارك﴾ أي ثبت ثباتاً مقترناً باليمن والبركة، لا ثبات إلا هو ﴿الذي إن شاء﴾ فإنه لا مكره له ﴿جعل لك خيراً من ذلك﴾ أي الذي قالوه على سبيل التهكم؛ ثم أبدل منه قوله: ﴿جنات﴾ فضلاً عن جنة واحدة ﴿تجري من تحتها الأنهار﴾ أي تكون أرضها عيوناً نابعة، أي موضع أريد منه إجراء نهر جرى، فهي لا تزال رياً تغني صاحبها عن كل حاجة ولا تحوجه في استثمارها إلى سقي.
ولما كان القصر - وهو بيت المشيد - ليس مما يستمر فيه الجعل


الصفحة التالية
Icon