ما أضللناهم نحن، وإنما هم ضلوا بإرادتك لأنك أنت ﴿متعتهم وآباءهم﴾ في الحياة الدنيا بما تستدرجهم به من لطائف المنن، وأطلت أعمارهم في ذلك ﴿حتى نسوا الذكر﴾ الذي لا ينبغي أن يطلق الذكر على غيره، وهو الإيمان بكل ما أرسلت به سبحانك رسلك برهان ما يعرفه كل عاقل من نفسه بما وهبته من غريزة العقل من أنه لايصح بوجه أن يكون الإله إلا واحداً، ما بين العاقل وبين ذكر ذلك إلا يسير تأمل، مع البراءة من شوائب الحظوظ والحاصل أنك سببت لهم أسباباً لم يقدروا على الهداية معها، فأنت الملك الفعال لما تريد، لا فعل لأحد سواك ﴿وكانوا﴾ في علمك بما قضيت عليهم في الأزل ﴿قوماً بوراً*﴾ هلكى.
ولما كان هذا أمراً واقعاً لا محالة، التفت إليهم مبكتاً فقال معبراً بالماضي بعد «قد» المقربة المحققة: ﴿فقد كذبوكم﴾ أي المعبودون كذبوا العابدين بسبب إلقائهم السلم المقتضي لأنهم لا يستحقون العبادة وأنهم يشفعون لكم مقهورين مربوبين ﴿بما﴾ أي بسبب ما ﴿تقولون﴾ أيها العابدون من أنهم يستحقون العبادة، وأنهم يشفعون لكم، وأنهم أضلوكم، وفي قراءة ابن كثير بالتحتانية المعنى: بما يقول المعبودون من التسبيح لله والإذعان، في ادعائكم أنهم أضلوكم.


الصفحة التالية
Icon