رسولي الدنيا، وجعلته ممن يختار العبوديه والكفاف بطلب المعاش في الأسواق، لأبتليكم في الطاعة له خالصة، فإني لو أعطيته الدنيا، وجعلته ممن يختار الملك، لسارع الأكثر إلى اتباعه طمعاً في الدنيا، وهذا معنى ﴿أتصبرون﴾ فإنه علة ما قبله، أي لنعلم علم شهادة هل تصبرون فيما امتحناكم به أم لا؟ كما كنا نعلمه علم الغيب، لتقوم عليكم بذلك الحجة في مجاري عاداتكم، وفيها مع العلية تهديد بليغ لمن تدبر، ويجوز أن يكون الاستفهام استئنافاً للتهديد.
ولما كان الاختبار ربما أوهم نقصاً في العلم، وكان إحسانه سبحانه إلى جميع الخلق دون إحسانه إلى سيدهم وعينهم، وخلاصتهم وزينهم: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أعلمهم بتنزيهه وتعظيمه، وكان امتحانهم بجعله نبياً عبداً مع كونه في غاية الإكرام له ربما ظنوه إهانة، نفى ما لعله يوهمه كل من الاستفهام والامتحان في حق الله سبحانه وحق نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال صارفاً وجه الخطاب إليه: ﴿وكان ربك﴾ أي المحسن إليك إحساناً لم يحسنه إلى أحد سواك، لا سيما بجعلك نبياً عبداً ﴿بصيراً*﴾