هذه الأمور وكل أمر تريده ليخبرك بحقيقة أمره ابتداء وحالاً ومآلاً، فلا يضيق صدرك بسبب هؤلاء المدعوين، فإنه ما أرسلك إليهم إلا وهو عالبم بهم، فسيعلي كعبك عليهم، ويحسن لك العاقبة.
ولما ذكر إحسانه إليهم، وإنعامه عليهم، ذكر ما أبدوه من كفرهم في موضع شكرهم فقال: ﴿وإذا قيل لهم﴾ أي هؤلاء الذين يتقلبون في نعمه، ويغذوهم بفضله وكرمه، من أيّ قائل كان: ﴿اسجدوا﴾ أي اخضعوا بالصلاة وغيرها ﴿للرحمن﴾ الذي لا نعمة لكم إلا منه ﴿قالوا﴾ قول عال متكبر كما تقدم في معنى ﴿ظهيراً﴾ :﴿وما الرحمن﴾ متجاهلين عن معرفته فضلاً عن كفر نعمته معبرين بأداة ما لا يعقل، وقال ابن العربي: إنهم إما عبروا بذلك إشارة إلى جهلهم الصفة، دون الموصوف.
ثم عجبوا من أمره بذلك منكرين عليه، بقولهم: ﴿أنسجد لما تأمرنا﴾ فعبروا عنه بعد التجاهل في أمره والإنكار على الداعي إليه أيضاً بأداة ما لا يعقل ﴿وزادهم﴾ هذا الأمر الواضح المقتضي للإقبال والسكون شكراً للنعم وطمعاً في الزيادة ﴿نفوراً*﴾ لما عندهم من الحرارة الشيطانية التي تؤزهم أزاً، فلا نفرة توازي هذه النفرة، ولا ذم أبلغ منه.
ولما ذكر حال النذير الذي ابتدأ به السورة في دعائه إلى الرحمن


الصفحة التالية
Icon