ولم يذكر تمام أمرهم بإغراق فرعون، لأن مقصودها إظهار العلم والحكمة دون البطش والنقمة، فلم يقتض الحال ذكر الميم.
ولما ختم التي قبلها بتحقيق أمر القرآن، وأنه من عند الله، ونفي الشبه عنه وتزييف ما كانوا يتكلفونه من تفريق القول فيه بالنسبة إلى السحر والأضغاث والافتراء والشعر، الناشىء كل ذلك عن أحوال الشياطين، وابتدأ هذه بالإشارة إلى أنه من الكلام القديم المسموع المطهر عن وصمة تلحقه من شيء من ذلك، تلاه بوصفه بأنه كما أنه منظوم مجموع لفظاً ومعنى لا فصم فيه ولا خلل، ولا وصم ولا زلل، فهو جامع لأصول الدين ناشر لفروعه، بما أشار إليه الكون من المسلمين فقال: ﴿تلك﴾ أي الآيات العالية المقام البعيدة المرام، البديعة النظام ﴿آيات القرآن﴾ أي الكامل في قرآنيته الجامع للأصول، الناشر للفروع، الذي لا خلل فيه ولا فصم، ولا صدع لولا وصم ﴿و﴾ آيات ﴿كتاب﴾ أي وأيّ كتاب هو مع كونه جامعاً لجميع ما يصلح المعاش والمعاد، قاطع في أحكامه، غالب في أحكامه، في كل من نقضه وإبرامه، وعطفه دون إتباعه للدلالة على أنه كامل في كل من قرآنيته وكتابيته ﴿مبين*﴾ أي بين في نفسه أنه من عند الله كاشف لكل مشكل، موضح لكل ملبس مما كان ومما هو كائن من الأحكام والدلائل في الأصول والفروع، والنكت والإشارات والمعارف، فيا له من جامع فارق واصل فاصل.