ثم ينتقم منهم بعد طول المهلة، وتماديهم في سكرات الغفلة، كشفاً لصفة العزة، كل ذلك تسلية له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتخفيفاً وإعلاماً بأنه لا قصور في بيانه، ولا تقصير لديه.
ولما اقتضى وصف العزة الإهلاك، ووصف الرحمة الإمهال، وكان الأول مقدماً، وكانت عادتهم تقديم ما هم به أهم، وهو لهم أعنى، خيفت غائلته، فأتبع ذلك أخبار هذه الأمم، دلالة على الوصفين معاً ترغيباً وترهيباً، ودلالة على أن الرحمة سبقت الغضب، وإن قدم الوصف اللائق به، فلا يعذب إلا بعد البيان مع طول الإمهال، وأخلى قصة أبيهم إبراهيم عليه السلام من ذكر الإهلاك إشارة إلى البشارة بالرفق ببنيه العرب في الإمهال كما رفق بهم في الإنزال والإرسال، ولما كان مع ذلك في هذه القصة تسلية للنبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يقاسيه من الأذى والتكذيب، وكانت التسلية بموسى وإبراهيم عليهما السلام أتم، لما لهما من القرب، والمشاركة في الهجرة، والقصد إلى الأرض المقدسة، وكان قد اختص موسى عليه السلام بالكتاب الذي ما بعد القرآن مثله والآيات التي ما أتى بمثلها أجد قبله، وإقرار عينه بهداية قومه، وحفظهم