علمها بأنهم لو شعروا بهم ما آذوهم لأنهم أتباع نبي فهم رحماء.
ولما كان هذا أمراً معجباً لما فيه من جزالة الألفاظ وجلالة المعاني، تسبب عنه قوله: ﴿فتبسم﴾ ولما دل ذلك على الضحك، وكان ذلك قد يكون للغضب، أكده وحقق معناه بقوله: ﴿ضاحكاً من قولها﴾ أي لما أوتيته من الفصاحة والبيان، وسروراً بما وصفته به من العدل في أنه وجنوده لا يؤذون أحداً وهم يعلمون ﴿وقال﴾ متذكراً ما أولاه ربه سبحانه بحسن تربيته من فهم كلامها إلى ما أنعم عليه من غير ذلك: ﴿رب﴾ أي أيها المحسن إليّ ﴿أوزعني أن﴾ أي اجعلني مطيقاً لأن ﴿أشكر نعمتك﴾ أي وازعاً له كافاً مرتبطاً حتى لا يغلبني. ولا يتفلت مني، ولا يشذ عني وقتاً ما.
ولما أفهم ذلك تعلق النعمة به. حققه بقوله: ﴿التي أنعمت عليّ﴾ وربما أفهم قوله: ﴿وعلى والديّ﴾ أن أمه كانت أيضاً تعرف منطق الطير. وتحقيق معنى هذه العبارة أن مادة «وزع» - بأيّ ترتيب كان - يدور على المعوز - لخرقة بالية يلف بها الصبي، ويلزمها التمييز، فإن الملفوف بها يتميز عن غيره، ومنه الأوزاع وهم الجماعات المتفرقة، ويلزمها أيضاً الإطاقة فإن أكثر الناس يجدها، ومنه العزون - لعصب من الناس، فإنهم يطيقون ما يريدون ويطيقهم من يريدهم، ومنه الوزع وهو كف ما يراد كفه، والولوع بما يزاد، ومنه الإيعاز - للتقدم بالأمر والنهي، والزوع للجذب، ويلزمها أيضاً الحاجة فإنه لا يرضى بها دون الجديد إلا محتاج، فمعنى الآية: اجعلني وازعاً - أي مطيقاً - أن أشكرها كما يطيق الوازع كف ما يريد كفه، ويمكن أن يكون مدار المادة الحاجة لأن الأوزاع -