التعرف إليه، فسلك طريق التعرف وجد في الطلب، ومن جدَّ وجد، ويروى عن داود عليه الصلاة والسلام أنه قال: يا رب كيف أشكرك والشكر نعمة آخرى منك أحتاج عليها إلى شكر آخر؟ فأوحى الله تعالى إليه: يا داود! إذا علمت أن ما بك من نعمة فمني فقد شكرتني.
والشكر ثلاثة أشياء: الأول معرفة النعمة بمعنى إحضارها في الخاطر بحيث يتميز عندك أنها نعمة، فرب جاهل يحسن إليه وينعم عليه وهو لا يدري، فلا جرم أنه لا يصح منه الشكر. والثاني: قبول النعمة بتلقيها من المنعم بإظهار الفقر والفاقة، فإن ذلك شاهد بقبولها حقيقة، والثالث: الثناء بها بأن تصف المنعم بالجود والكرم ونحوه مما يدل على حسن تلقيك لها واعترافك بنزول مقامك في الرتبة عن مقامه، فإن اليد العليا خير من اليد السفلى، وهو على ثلاث درجات: الأولى الشكر على المحاب أي الأشياء المحبوبة، وهذا شكر تشارك فيه المثبتون المسلمون واليهود والنصارى والمجوس، فإن الكل يعتقدون أن الإحسان الواصل من الرحمن واجب معرفته على الإنسان، ومن سعة بر البارىء سبحانه وتعالى أن عده شكراً مع كونه واجباً على الشاكر. ووعد عليه الزيادة، وأوجب فيه المثوبة إحساناً ولطفاً. الثانية: الشكر في المكاره، وهو إما من رجل لا يميز بين الحالات، بل يستوي عنده المكروه والمحبوب، فإذا نزل به المكروه شكر الله عليه بمعنى أنه أظهر الرضا بنزوله به، وهذا مقام الرضا، وإما من رجل