إلا إلى الملكة التي بالغ في وصفها، تشوفت النفس إلى قولها عند ذلك، فكان كأنه قيل: فأخذ الكتاب وذهب به، فلما ألقاه إليها وقرأته، وكانت قارئة كاتبة من قوم تبع ﴿قالت﴾ لقومها بعد أن جمعتهم معمظمة لهم، أو لأشرافهم فقط: ﴿يا أيها الملأ﴾ أي الأشراف.
ولما كان من شأن الملوك أن لا يصل إليهم أحد بكتاب ولا غيره إلا على أيدي جماعتهم، عظمت هذا الكتاب بأنه وصل إليها على غير ذلك المنهاج فبنت للمفعول قولها: ﴿إني ألقي إليَّ﴾ أي بإلقاء ملق على وجه غريب ﴿كتاب﴾ أي صحيفة مكتوب فيها كلام وجيز جامع.
ولما كان الكريم كما تقدم في الرعد - من ستر مساوىء الأخلاق بإظهار معاليها لأنه ضد اللئيم، وكان هذا الكتاب قد حوى من الشرف أمراً باهراً لم يعهد مثله من جهة المرسل والرسول والافتتاح بالاسم الأعظم إلى ما له من وجازة اللفظ وبلوغ المعنى، قالت: ﴿كريم*﴾ ثم بينت كرمه أو استأنفت جواباً لمن يقول: ممن هو وما هو؟ فقالت: ﴿إنه﴾ أي الكتاب ﴿من سليمان﴾ وفيه دلالة على أن الابتداء باسم صاحب الكتاب لا يقدح في الابتداء بالحمد ﴿وإنه﴾ أي المكتوب فيه ﴿بسم الله الرحمن الرحيم*﴾ فحمد المستحق للحمد وهو الملك الأعلى المحيط عظمه بدائرتي الجلال والإكرام، العام الرحمة


الصفحة التالية
Icon