مع خبث ومكر - وعلى غيره، بينه بأن قال: ﴿من الجن أنا﴾ الداهية الغليظ الشديد ﴿آتيك به﴾ ولما علم أن غرضه الإسراع قال: ﴿قبل أن تقوم من مقامك﴾ أي مجلسك هذا، ثم أوثق الأمر وأكده بقوله: ﴿وإني عليه﴾ أي الإتيان به سالماً ﴿لقوي﴾ لا يخشى عجزي عنه ﴿أمين*﴾ لا يخاف انتقاضي شيئاً منه.
ولما كانت القصة لإظهار فضل العلم المستلزم للحكمة، دلالة على أنه تعالى حكيم عليم، ترغيباً في القرآن، وحثاً على ما أفاده من البيان، قال حاكياً لذلك استئنافاً جواباً لاستشرافه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأقرب من ذلك: ﴿قال الذي عنده﴾.
ولما كان لكتب الله من العظمة ما لا يحيطه إلا الله، اشار إلى ذلك بتنكير ما لهذا الذي يفعل مثل هذا الخارق العظيم من ذلك فقال: ﴿علم﴾ تنبيهاً على أنه اقتدر على ذلك بقوة العلم ليفيد ذلك تعظيم العلم والحث على تعلمه، وبين أن هذا الفضل إنما هو للعلم الشرعي فقال: ﴿من الكتاب﴾ أي الذي لا كتاب في الحقيقة غيره، وهو المنسوب إلينا، وكأنه الذي كان شهيراً في ذلك الزمان، ولعله التوراة والزبور، إشارة إلى أن من خدم كتاباً حق الخدمة