صدق قوله مما حفّه من القرائن، حال كونه ﴿خائفاً﴾ على نفسه من آل فرعون ﴿يترقب﴾ أي يكثر الالتفات بإدراة رقبته في الجهات ينظر هل يتبعه أحد؛ ثم وصل به على طريق الاستئناف قوله: ﴿قال﴾ أي موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿رب﴾ أي أيها المحسن إليّ بالإيجاد والتربية وغير ذلك من وجوه البر ﴿نجني﴾ أي خلصني، مشتق من النجوة، وهو المكان العالي الذي لا يصل إليه كل أحد ﴿من القوم الظالمين*﴾ أي الذين يضعون الأمور في غير مواضعها فيقتلون من لا يستحق القتل مع قوتهم، فاستجاب الله له فوفقه لسلوك الطريق الأعظم نحو مدين، فكان ذلك سبب نجاته، وذلك أن الذين انتدبوا إليه قطعوا بأنه لا يسلك الطريق الأكبر، جرياً على عادة الخائفين الهاربين في المشي عسافاً، أو سلوك ثنيات الطريق فانثنوا فيما ظنوه يميناً وشمالاً ففاتهم.
ولما دعا بهذا الدعاء، أعلم الله تعالى باستجابته منه مخبراً بجهة قصده زيادة في الإفادة فقال: ﴿ولما﴾ أي فاستجاب الله دعاءه فنجاه منهم ووجهه إلى مدين ولما ﴿توجه﴾ أي أقبل بوجهه قاصداً ﴿تلقاء﴾ أي الطريق الذي يلاقي سالكه أرض ﴿مدين﴾ مدينة نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام متوجهاً بقلبه إلى ربه ﴿قال﴾ أي لكونه