الوقت الشديد البرد نار: ﴿إني آنست ناراً﴾ فكأنه قيل: فماذا تعمل بها؟ فقال معبراً بالترجي لأنه أليق بالتواضع الذي هو مقصود السورة، وهو الحقيقة في إدراك الآدميين في مثل هذا، ولذا عبر بالجذوة التي مدار مادتها الثبات: ﴿لعلي آتيكم منها﴾ أي من عندها ﴿بخبر﴾ ينفعنا في الدلالة على المقصد ﴿أو جذوة﴾ أي عود غليظ ﴿من النار﴾ أي متمكنة منه هذه الحقيقة أو التي تقدم ذكرها؛ ثم استأنف قوله ﴿لعلكم تصطلون*﴾ أي لتكونوا على رجاء من أن تقربوا من النار فتنعطفوا عليها لتدفؤوا، وهذا دليل على أن الوقت كان شتاء ﴿فلما أتاها﴾ أي النار.
ولما كان آخر الكلام دالاً دلالة واضحة على أن المنادي هو الله سبحانه، بنى للمفعول قوله دالاًّ على ما في أول الأمر من الخفاء: ﴿نودي﴾ ولما كان نداؤه سبحانه لا يشبه نداء غيره بل يكون من جميع الجوانب، وكان مع ذلك قد يكون لبعض المواضع مزيد تشريف بوصف من الأوصاف، إما بأن يكون أول السماع منه أو غير ذلك أو يكون باعتبار كون موسى عليه الصلاة والسلام فيه قال: ﴿من﴾ أي