بجميع المطالب في الحالة التي تكون آخر الحالات مني ومنكم، فيعلم أنه أتى بما يرضي الله وهي وإن كانت حقيقتها ما يتعقب الشيء من خير أو شر، لكنها لا يراد بها إلا ما يقصد للعاقل حتى تكون له، وأما عاقبة السوء فهي عليه لا له؛ ثم علل ذلك بما أجرى الله به عادته؛ فقال معلماً بأن المخذول هو الكاذب، إشارة إلى أنه الغالب لكون الله معه، مؤكداً لما استقر في الأنفس من أن التقوي لا يغلبه الضعيف ﴿إنه لا يفلح﴾ أي يظفر ويفوز ﴿الظالمون*﴾ أي الذين يمشون كما يمشي من هو في الظلام بغير دليل، فهم لا يضعون قدماً في موضع يثقون بأنه صالح للمشي فيه، لا تبعة فيه فستنظرون ﴿ولتعلمن نبأه بعد حين﴾ ﴿وقال فرعون﴾ جواباً لهذا الترغيب والترهيب بعد الإعذار، ببيان الآيات الكبار، قانعاً في مدافعة ما رأى أنه اجتذب قومه الأغمار الأغبياء عن الجهل من ظهور تلك الآيات البينات بأن يوقفهم عن الإيمان إلى وقت ما، وكذا كانت عادته كلما أظهر موسى عليه الصلاة والسلام برهاناً، لأن قومه في غاية الغباوة والعراقة في الميل إلى الباطل والنفرة من الحق وترجيح المظنة على المئنة: ﴿يا أيها الملأ﴾ أي الأشراف، معظماً لهم استجلاباً لقلوبهم ﴿ما علمت لكم﴾ وأعرق في النفي فقال: ﴿من إله غيري﴾ نفى علمه بذلك إظهاراً للنصفة، وأنه ما قصد غشهم، وذلك منه واضح في أنه قصد تشكيكهم،