ولما كان الظلام غير مقصود في نفسه، وكان بعد الضياء في غاية التعريف بموحده، عدل عن اسمه فقال معبراً لمثل ما مضى: ﴿يأتيكم بليل﴾ أي ينشأ من ظلام؛ ثم بين بما يدل على ما حذفه من الأول فقال: ﴿تسكنون فيه﴾ فالآية من الاحتباك: ذكر الضياء أولاً دليلاً على حذف الظلام ثانياً، والليل والسكون ثانياً دليلاً على حذف النهار والانتشار أولاً.
ولما كان الضياء مما ينفذ فيه البصر قال: ﴿أفلا تبصرون*﴾ أي بالبصر والبصيرة كيف تنقشع جلابيب الظلام، عن وجوه الضياء الغر الكرام، ثم تتقنع بسواد أردية الحياء، وجوه الأنوار والضياء قال ابن هبيرة: قال المبرد: سلطان السمع في الليل وسلطان البصر في النهار.
ولما كان التقدير: فمن حكمته جعل لكم السمع والأبصار، لتتدبروا آياته، وتتبصروا في مصنوعاته، عطف عليه ﴿ومن رحمته﴾ أي التي وسعت كل شيء لا من غيرها من خوف أو رجاء أو تعلق غرض من الأغراض ﴿جعل لكم الليل والنهار﴾ آيتين عظيمتين دبر فيهما وبهما جميع مصالحكم، وادخر معظم رحمته إلى الآخرة،


الصفحة التالية
Icon