بطريق الرمز إلى أنه سبحانه أرسل جبريل إلى محمد عليهما الصلاة والسلام ليدعو الناس بالقرآن الذي فرض عليه إلى الله، لتعرف بالدعوة سرائرهم ويتميز بالتكليف محقهم ومماكرهم ﴿ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم﴾ [محمد: ٣١].
ولما عبر بهذه الإشارة لأهل الفطنة والبصائر، قال منكراً على من ظن أن مدعي الإيمان لا يكلف البيان، ومفصلاً لما ختمت به تلك من جميع هذه المعاني، بانياً على ما أشارت إليه الأحرف لأولي العرفان: ﴿أحسب الناس﴾ أي كافة، فإن كلاًًّ منهم يدعي أنه مؤمن لمعنى أنه يقول: إنه على الحق، ولعله عبر بالحسبان والنوس إشارة إلى أن فاعل ذلك مضطرب العقل منحرف المزاج.
ولما كان الحسبان، لا يصح تعليقه بالمفردات، وإنما يعلق بمضمون الجملة، وكان المراد إنكار حسبان مطلق الترك، كانت «أن» مصدرية عند جميع القراء، فعبر عن مضمون نحو: تركهم غير مفتونين لقولهم آمناً، بقوله: ﴿أن يتركوا﴾ أي في وقت ما بوجه من الوجوه، ولو رفع الفعل لأفهم أن المنكر حسبان الترك المؤكد، فلا يفيد إنكار ما عرى عنه، وقد مضى في المائدة ما ينفع هنا ﴿أن﴾ أي في أن