منه البلاء، والتعبير بالمضارع لتحقق الاختبار، على تجدد الأعصار، لجمعي الأخيار والأشرار، فمن لم يجاهد نفسه عند الفتنة فيطيع في السراء والضراء كان من الكافرين فكان في جهنم ﴿أليس في جهنم مثوى للكافرين﴾ ومن جاهد كان من المحسنين، والآية من الاحتباك: دل بالذين صدقوا على الذين كذبوا، وبالكاذبين على الصادقين، ذكر الفعل أولا دليلاً على تقدير ضده ثانياً، والاسم ثانياً دليلاً على حذف ضده أولاً.
ولما أثبت سبحانه بهذا علمه الشامل وقدرته التامة في الدنيا، عادله بما يستلزم مثل ذلك في الآخرة، فكان حاصل ما مضى من الاستفهام: أحسب الناس أنا لا نقدر عليهم ولا نعلم أحوالهم في الدنيا أم حسبوا أنم ذلك لا يكون في الأخرى، فيذهب ظلمهم في الدنيا وتركهم لأمر الله وتكبرهم على عبادة مجاناً، فيكون خلقنا لهم عبثاُ لا حكمة فيه، بل الحكمة في تركه، وهذا الثاني هو معنى قوله منكراً أم حسب، أو يكون المعنى أنه لما انكر على الناس عموماً ظنهم الإهمال، علم أن أهل السيئات أولى بهذا الحكم، فكان الإنكار عليهم أشد، فعادل الهمزة بأم في السياق الإنكار كما عادلها بها في قوله:
﴿أتخذتم عند الله عهداً﴾ [