﴿نوحاً﴾ أي أول رسل الله الخافقين من العباد، وهو معنى ﴿إلى قومه﴾ فإن الكفر كان قد عم أهل الأرض، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أطول الأنبياء بلاء بهم، ولذلك قال مسبباً عن ذلك ومعقباً: ﴿فلبث فيهم﴾ أي بعد الرسالة يدعوهم إلى الله، وعظم الأمر بقوله: ﴿ألف﴾ فذكر رأس العدد الذي لا رأس أكبر منه، وعبر بلفظ ﴿سنة﴾ ذماً لأيام الكفر، وقال: ﴿إلا خمسين﴾ فحقق أن ذلك الزمان تسعمائة وخمسون من غير زيادة ولا نقص مع الاختصار والعذوبة، وقال: ﴿عاماً﴾ إشارة إلى أن زمان حياته عليه الصلاة والسلام بعد إغراقهم كان رغداً واسعاً حسناً يإيمان المؤمنين وخصب الأرض.
ولما كان تكرير الدعاء مع عدم الإجابة أدل على الامتثال وعدم الملال، قال مسبباً عن لبثه فيهم ودعائه لهم ومعقباً له: ﴿فأخذهم﴾ أي كلهم بالإغراق أخذ قهر وغلبة ﴿الطوفان﴾ أي من الماء، لأن الطوفان في الأصل لكل فاش طامّ محيط غالب ممتلىء كثرة وشدة وقوة من سيل أو ظلام أو موت أو غيرها، والمراد هنا الماء ﴿وهم ظالمون*﴾ أي عريقون في هذا الوصف، وهو وضع الأشياء في غير مواضعها فعل من يمشي في أشد الظلام، بتكذيبهم رسولهم، وإصرارهم على كفرهم، وهو ملازم لدعائهم ليلاً ونهاراً لم يرجع منهم عن الضلال إلا ناس


الصفحة التالية
Icon