لنصحه علماً منهم بوفور شفقته وعظم أمانته ونصيحته ﴿إلا أن قالوا﴾ بأعظم فظاظة ﴿اقتلوه﴾ أي بالسيف ﴿أو حرقوه﴾ أي بالنار.
ولما استقر رأي الجميع على هذا الثاني، ولم يكن له فيهم نصير، أشار إليه سبحانه بقوله ناسقاً له على ما تقديره: فأبى المعظم القتل لأنه عذاب مألوف لمن يستحقه من المجرمين، وهو قد عمل عملة مفردة في الدهر فالذي ينبغي أن يخص العذاب عليها بعذاب لم يعهد مثله وهو الإحراق على هيئة غريبة، فرجعوا عن القتل واستقر رأيهم على الإحراق فجمعوا له حطباً إلى أن ملأ ما بين الجبال، وأضرموا فيه النار حتى أحرقت ما دنا منها بعظيم الاشتعال، وقذفوه فيها بالمنجنيق ﴿فأنجاه الله﴾ بما له من كمال العظمة إنجاء وحيّاً من غير احتياج إلى تدريج ﴿من النار﴾ أي من إحراقها وأذاها، ونفعته بأن أحرقت وثاقه.
ولما اشتملت قصته بهذا السياق على دلائل واضحات، وأمور معجزات، عظم أمرها سبحانه بقوله مؤكداً لمزيد التنويه بذكرها، وتنزيلاً في توقفهم عما دعت إليه الآيات الظاهرة من الإيمان منزلة المنكر لها: ﴿إن في ذلك﴾ أي ما ذكر من أمره وما خللت به قصته من الحكم ﴿لآيات﴾ أي براهين قاطعة في الدلالة على جميع أمر الله من تصرفه في الأعيان والمعاني، لكون النار لم تحرقه وأحرقت وثاقه وكل ما


الصفحة التالية
Icon