في طبعه المجادلة، والمماراة والمغالبة: ﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب﴾ أي اليهود والنصارى ظناً منكم أن الجدال ينفع الدين، أو يزيد في اليقين، أو يرد أحداً عن ضلال مبين ﴿إلا بالتي﴾ أي بالمجادلة التي ﴿هي أحسن﴾ أي بتلاوة الوحي الذي أمرنا راس العابدين بإدامة تلاوته فقط، وهذا كما تقدم عند قوله تعالى في سبحان
﴿وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن﴾ [الإسراء: ٥٣].
ولما كان كل من جادل منهم في القرآن ظالماً، كان من الواضح أن المراد بمن استثنى في قوله تعالى: ﴿إلا الذين ظلموا منهم﴾ أي تجاوزوا في الظلم بنفي صحة القرآن وإنكار إعجازه مثلاً وأن يكون على أساليب الكتب المتقدمة، أو مصدقاً لشيء منها، أو بقولهم ﴿ما أنزل الله على بشر من شيء﴾ [الأنعام: ٩١] ونحو هذا من افترائهم، فإن هؤلاء يباح جدالهم ولو أدى إلى جلادهم بالسيف، فإن الدين يعلو ولا يعلى عليه.
ولما نهى عن موجب الخلاف، أمر بالاستعطاف، فقال: ﴿وقولوا آمنا﴾ أي أوقعنا الإيمان ﴿بالذي أنزل إلينا﴾ أي من هذا الكتاب المعجز ﴿وأنزل إليكم﴾ من كتبكم، يعني في أن أصله حق وإن كان قد نسخ منه ما نسخ، وما حدثوكم به من شيء ليس عندكم


الصفحة التالية
Icon