والقهر، قال: ﴿عليهم﴾ وقال محققاً للمراد: ﴿من السمآء﴾ أي التي جعلنا فيها بروجاً للمنافع، أشار إلى تمام القدرة بتوحيدها فقال: ﴿آية﴾ أي قاهرة كما فعلنا ببعض من قبلهم بنتق الجبل ونحوه؛ وأشار إلى تحقق أثرها بالتعبير بالماضي في قوله عطفاً على ﴿ننزل﴾ لأنه في معنى ﴿أنزلنا﴾ :﴿فظلت﴾ أي عقب الإنزال من غير مهلة ﴿أعناقهم﴾ التي هي موضع الصلابة، وعنها تنشأ حركات الكبر وألإعراض ﴿لها﴾ أي للآية دائماً، ولكنه عبر بما يفهم النهار لأنه موضع القوة على جميع ما يراد من التقلب والحيل والمدافعة ﴿خاضعين*﴾ جمعه كذلك لأن الفعل لأهلها ليدل على أن ذلهم لها يكون مع كونهم جميعاً، ولا يغني جمعهم وإن زاد شيئاً، والأصل: فظلوا، ولكنه ذكر الأعناق لأنها موضع الخضوع فإنه يظهر لينها بعد صلابتها، وانكسارها بعد شماختها، وللإشارة إلى أن الخضوع يكون بالطبع من غير تأمل لما أبهتهم وحيرهم من عظمة الآية، فكأن الفعل للأعناق لا لهم؛ والخضوع: التطامن والسكون واللين ذلاً وانكساراً ﴿وما﴾ أي هذه صفتنا والحال أنه ما ﴿يأتيهم﴾ أي الكفار ﴿من ذكر﴾ أي شيء من الوعظ والتذكير والتشريع يذكروننا به، فيكون سبب ذكرهم وشرفهم ﴿من الرحمن﴾ أي الذي أنكروه مع إحاطة نعمه بهم ﴿محدث﴾ أي بالنسبة إلى تنزيله وعلمهم به؛ وأشار إلى دوام كبرهم بقوله: ﴿إلا كانوا﴾ أي كوناً هو كالخلق لهم؛ وأشار بتقديم الجار والمؤذن بالتخصيص إلى ما لهم من سعة الأفكار وقوة الهمم لكل ما يتوجهون إليه، وإلى أن لإعراضهم عنه من القوة ما يعد الإعراض معه عن غيره عدماً فقال: ﴿عنه﴾ أي خاصة ﴿معرضين*﴾ أي إعراضاً هو صفة لهم لازمة.
ولما كان حال المعرض عن الشيء حال المكذب به قال: ﴿فقد﴾ أي فتسبب عن هذا الفعل منهم أنهم قد ﴿كذبوا﴾ أي حققوا التكذيب وقربوه كما تقدم آخر تلك، واستهزؤوا مع التكذيب بآياتنا.
ولما كان التكذيب بالوعيد سبباً في إيقاعه، وكان حالهم في تكذيبهم له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حال المستهزىء لأن من كذب بشيء خف عنده قدره، فصار عرضة للهزء، قال مهدداً: ﴿فسيأتيهم﴾ سببه بالفاء وحققه بالسين، وقلل التنفيس عما في آخر الفرقان ليعلموا أن ما كذبوا به واقع. وأنه ليس موضعاً للتكذيب بوجه ﴿أَنْبَاءُ﴾ أي عظيم أخبار وعواقب ﴿ما﴾ أي العذاب الذي ﴿كانوا﴾ أي كوناً كأنهم جبلوا عليه ﴿به﴾ أي خاصة لشدة إمعانهم في حقه وحده ﴿يستهزءون*﴾ أي يهزؤون،


الصفحة التالية
Icon