عادة القرآن في حذف كل ما دل عليه السياق ولم يدع داع إلى ذكره فعطف عليه قوله: ﴿ثم إلى ربكم﴾ أي الذي ابتدأ خلقكم وتربيتكم وأحسن إليكم غاية الإحسان ابتداء، لا إلى غيره، بعد إعادتكم ﴿ترجعون﴾ بأن يبعثكم كنفس واحدة فإذا أنتم بين يديه، فيتم إحسانه وربوبيته بأن يجازي كلاًّ بما فعل، كما هو دأب الملوك مع عبيدهم، لا يدع أحد منهم الظالم من عبيده مهملاً.
ولما تقرر دليل البعث بما لا خفاء فيه ولا لبس، شرع يقص بعض أحوالهم عند ذلك، فقال عادلاً عن خطابهم استهانة بهم وإيذاناً بالغضب، وخطاباً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسلية له، أو لكل من يصح خطابه، عاطفاً على ما تقديره: فلو رأيتهم وقد بعثرت القبور، وحصل ما في الصدور، وهناك أمور أيّ أمور، موقعاً المضارع في حيز ما من شأنه الدخول على الماضي، لأنه لتحقق وقوعه كأنه قد كان، واختير التعبير به لترويح النفس بترقب رؤيته حال سماعه، تعجيلاً للسرور بترقب المحذور لأهل الشرور: ﴿ولو ترى﴾ أي تكون أيها الرائي من أهل الرؤية لترى حال المجرمين ﴿إذ المجرمون﴾ أي القاطعون لما أمر الله


الصفحة التالية
Icon