ولما كان الآدمي موضع الحاجة إلى تعظيم الترجية قال: ﴿وتوكل﴾ أي دع الاعتماد على التدبير في أمورك واعتمد فيها ﴿على الله﴾ المحيط علماً وقدرة، ولتكرير هذا الاسم الجامع لجميع معاني الأسماء في هذا المقام شأن لا يخفى كما أشير إليه.
ولما كان التقدير: فإنه يكفيك في جميع ذلك، عطف عليه قوله: ﴿وكفى بالله﴾ أي الذي له الأمر كله على الإطلاق ﴿وكيلاً *﴾ أي إنه لا أكفى منه لكل من وكله في أمره، فلا تلتفت في شيء من أمرك إلى شيء لأنه ليس لك قلبان تصرف كلاً منهما إلى واحد.
ولما كان النازع إلى جهتين والمعالج لأمرين متباينين كأنه يتصرف بقلبين، أكد أمر الإخلاص في جعل الهم هماً واحداً فيما يكون من أمور الدين والدنيا، وفي المظاهرة والتبني وكل ما شابهها بضرب المثل بالقلبين - كما قال الزهري، فقال معللاً لما قبله بما فيه من الإشارة إلى أن الآدمي مع قطع النظر عن رتبة النبوة موضع لخفاء الأمور عليه: ﴿ما جعل الله﴾ أي الذي له الحكمة البالغة، والعظمة الباهرة، وليس الجعل إلا له ولا أمر لغيره ﴿لرجل﴾ أي لأحد من بني آدم الذين هم أشرف الخلائق من نبي ولا غيره، وعبر بالرجل لأنه أقوى جسماً وفهماً فيفهم غيره من باب الأولى؛ وأشار إلى التأكيد


الصفحة التالية
Icon