الدنيا وينعمهم في الأخرى، فالصدق سبب وإن كان فضلاً منه لأنه الموفق له ﴿ويعذب المنافقين﴾ في الدارين بكذبهم في دعواهم الإيمان المقتضي لبيع النفس والمال ﴿إن شاء﴾ يعذبهم على النفاق ﴿أو يتوب عليهم﴾ أي بما يرون من صدقه سبحانه في إعزاز أوليائه وإذلال أعدائه بقدرته التامة حيث كانوا قاطعين بخلاف ذلك.
ولما كانت توبة المنافقين مستعبدة لما يرون من صلابتهم في الخداع وخبث سرائرهم، قال معللاً ذلك كله على وجه التأكيد: ﴿إن الله﴾ أي بما له من الجلال والجمال ﴿كان﴾ أزلاً وأبداً ﴿غفوراً رحيماً﴾ يستر الذنب وينعم على صاحبه بالكرامة، أما في الإثابة لكل فالرحمة عامة، وأما في تعذيب المنافق فيخص الصادقين، لأن عذاب أعدائهم من أعظم نعيمهم، وفي حكمه بالعدل عموم الرحمة أيضاً، فهو لا يعذب أحداً فوق ما يستحق.
ولما ذكرهم سبحانه نعمته بما أرسل على أعدائهم من جنوده، وبين أحوال المنافقين والصادقين وما له في ذلك من الأسرار، وختم بهاتين الصفتين، قال مذكراً بأثرهما فيما خرقه من العادة بصرف الأعداء على كثرتهم وقوتهم على حالة لا يرضاها لنفسه عاقل، عاطفاً على قوله في أول السورة والقصة ﴿فأرسلنا﴾ :﴿ورد الله﴾ أي بما له من


الصفحة التالية
Icon