إياهم بمجاورة بيته وملازمة أمنه مع أنهم أقل العرب، أفلا يرون هذه النعمة ويقابلونها بالشكر والاستجابة قبل أن يحل بهم نقمة، ويسلبهم نعمه، فلما قدم تذكارهم بهذا، أعقب بذكر طائفة هم أكثر منهم وأشد قوة وأوسع بلاداً، وقد أيد عليهم غيرهم، ولم يغن عنهم انتشارهم وكثرتهم، فقالت: ﴿الم غلبت الروم في أدنى الأرض﴾ الآيات، فذكر تعالى غلبة غيرهم لهم، وأنهم ستكون لهم كرة، ثم يغلبون، وما ذلك إلا بنصر الله من شاء من عبيده ﴿ينصر من يشاء﴾ فلو كشف عن إبصار من كان بمكة من الكفار لرأوا أن اعتصام بلادهم وسلامة ذرياتهم وأولادهم مما سلط على من حولهم من الانتهاب والقتل وسبي الذراري والحرم إنما هو بمنع الله وكرم صونه لمن جاور حرمه وبيته، وإلا فالروم أكثر عدداً وأطول مدداً، ومع ذلك تتكرر عليهم الفتكات والغارات، وتتوالى عليهم الغلبات، أفلا يشكر أهل مكة من أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف؟ وأيضاً فإنه سبحانه لما قال: ﴿وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان﴾ [العنكبوت: ٦٤] أتبع ذلك سبحانه بذكر تقلب حالها، وتبين اضمحلالها، وأنها لا تصفو ولا تتم، وإنما حالها أبداً التقلب وعدم الثبات، فأخبر بأمر هذه الطائفة التي هي من أكثر أهل الأرض وأمكنهم وهم الروم،


الصفحة التالية
Icon