قال مصرحاً بالمقصود على أتم وجه: ﴿لا يعزب﴾ - أي يغيب ويبعد عزوباً قوياً - على قراءة الجماعة بالضم، ولا ضعيفاً - على قراءة الكسائي بالكسر ﴿عنه مثقال ذرة﴾ أي من ذات ولا معنى، والذرة نملة حمراء صغيرة جداً صارت مثلاً في أقل القليل فهي كناية عنه.
ولما كان في هذه السورة السباق للحمد، وهو الكمال وجهة العلو به أوفق ولأمر الساعة ومبدأه منها بدأ بها.
ولما كان قد بين علمه بأمور السماء، وكان المراد بها الجنس، جمع هنا تصريحاً بذلك المراد فقال: ﴿في السماوات﴾ وأكد النفي بتكرير «لا» فقال: ﴿ولا في الأرض﴾ ولما كنا مقيدين بالكتاب، ابتدأ الخبر بما يبهر العقل من أن كل شيء مسطور من قبل كونه ثم يكون على وفق ما سطر، فإذا كشف للملائكة عن ذلك ازدادوا إيماناً وتسبيحاً وتحميداً وتقديساً، فقال - عند حميع القراء عاطفاً على الجملة من أصلها لا على المثقال لأن الاستثناء يمنعه: ﴿ولا أصغر﴾ أي ولا يكون شيء أصغر ﴿من ذلك﴾ أي المثقال ﴿ولا أكبر﴾ أي من المثقال فما فوقه ﴿إلا في كتاب﴾ وإخبارنا به لما جرت به عوائدنا من تقييد العلم بالكتاب، وأما هو سبحانه فغني عن ذلك.
ولما كان الإنسان قد يكتب الشيء ثم يغيب عنه وينسى مكانه