وكان الضلال يبعد ببعد صاحبه عن الجادة وتوغله في المهامه الوعرة الشاسعة، قال واصفاً له بوصف الضال: ﴿البعيد *﴾ فبين الوصف أنه لا يمكن الانفكاك عنه، وعلم أن من الذين كفروا قسماً لم يطبعوا على الكفر، فضلوا ضلالاً قريباً يمكن انفكاكهم عنه، وهم الذين آمنوا منهم بعد، وهو من بديع القول حيث عبر بها الظاهر الذي أفهم هذا التقسيم موضع الإضمار الذي كان حقه: بل هم في كذا.
ولما كانوا قد أنكروا الساعة لقطعهم بأن من مزق كل ممزق لا يمكن إعادته، فقطعوا جهلاً بأن الله تعالى لا يقول ذلك، فنسبوا الصادق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الإخبار بذلك إلى أحد أمرين: تعمد الكذب أو الجنون. شرع سبحانه يدل على صدقه في جميع ما أخبر به، فبدأ بإثبات قدرته على ذلك مستند إلى ضلالهم بسبب غفلتهم عن تدبر الآيات، فكان المعنى: ضلوا فلم يروا، فدل عليه منكراً عليهم مهدداً لهم مقرراً لذوي العقول من السامعين بقوله: ﴿أفلم يروا﴾ ونبه على أنهم في محل بعد عن الإبصار النافع بحرف النهاية فقال: ﴿إلى ما بين أيديهم﴾ أي أمامهم ﴿وما خلفهم﴾ وذلك إشارة إلى جميع الجوانب من كل من الخافقين